الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ما لك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله المؤمل لكشف كل كرب شديد، لا إله إلا الله المرجو للإحسان والمزيد، مجيب دعوة المضطرين، وفارج هم المهمومين، ومجزل النعم على المخلوقين، سبحان فارج الكربات، سبحان مجيب الدعوات، سبحان مغيث اللهفات، سبحان مزيل الشدائد والمكروهات، سبحان العالم بالظواهر والخفيات، سبحان من لا تشتبه عليه اللغات، وتفنن المسئولات، سبحان القائم بأرزاق جميع المخلوقات، في البراري والبحار، والجبال والفلوات، سبحان من عم برزقه وستره حتى العصاة .
أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أكرم الأنبياء والمرسلين، وأفضل الخلق أجمعين، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، أهل البر والتقى، والصدق والوفا، وسلم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأنيبوا إلى ربكم، وأخلصوا العبادة له وحده، واستغفروه، وتوبوا إليه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم: 8].
عباد الله: اعلموا أن التوبة لا تتم إلا بالمحافظة على الطاعات، وكف الجوارح عن المحرمات والمكروهات {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 135].
{ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90] {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:10-12].
وقولوا كما قال الأبوان عليهما السلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23] وقولوا كما قال الخليل u: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } [الشعراء: 82] وقولوا كما قال نوح عليه السلام:{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [هود: 47]. وقولوا كما قال موسى u: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16]. وقولوا كما قال ذو النون u: { أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87].
وفي الحديث القدسي، يقول الله تعالى: « يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن ادم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة » ([1]).
عباد الله: اشكروا الله سبحانه وتعالى على نعمه التي لا تحصى، ومننه التي تترى، وعلى ما من به عليكم من إنزال الغيث في أرضكم، وتوالي الأمطار في ربوعكم، وفي مزارعكم، و مراعي أنعامكم، فله الحمد سبحانه، وله المنة، وهو صاحب الفضل ودائم الإحسان .
ثم اعلموا أن إخوانًا لكم في نواحي بلادكم، وهم جزء منكم، قد شكوا جدب ديارهم، وتأخر المطر عن إبانه لحروثهم وأشجارهم، وهم في حاجة إلى الغيث، وقد تأخر المطر عنهم، في حاجة إلى دعائكم، وإلحاحكم في سؤال الله الغني المجيد، أن ينزل على بلادهم الغيث، ويوالي عليهم المطر، وإنهم في هذا اليوم يستسقون ربهم، ويطلبون منه أن يغيثهم، ويحيي بلادهم، بما ينزل سبحانه من الرزق والغيث المبارك، فألحوا في الدعاء لهم، لعل الله أن يرحمهم، ويغيثهم، وينزل في أرضهم زينتها، وكرروا مع ذلك شكر الله على إنعامه عليكم، بالغيث العميم، والفضل الجسيم، فاشكروه سبحانه على نعمه، وألحوا في الدعاء لإخوانكم المؤمنين، أن يغيث بلادهم، وبلاد جميع المسلمين، وأن يرفع عنهم القحط، ويوالي فضله وإحسانه على جميع المسلمين، فإن هذا من النصح الذي أمر به رسول الله r لعامة المسلمين، وبوصفه r للمؤمنين بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر، والحمى » ([2]).
وإن الله عز وجل يبتلي عباده بالجدب، وقلة الأمطار ليتوبوا إليه ويتقربوا بالأعمال الصالحة لديه، فتوبوا عباد الله إلى ربكم توبة نصوحًا، فقد ذم الله من لا يستكين له عند الشدائد ولا يلتجئ إليه في طلب جميل العوائد. يقول سبحانـه: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [المؤمنون: 76].
ألا فابتهلوا إلى ربكم وتضرعوا إليه، فقد أمركم بذلك ووعدكم الإجابة بقوله سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 55، 56], ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وقال سبحانه: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
فتضرعوا عباد الله إلى ربكم، وألحوا في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين . اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أغثنا وأغث إخواننا في جميع نواحي البلاد وجميع بلاد المسلمين يا رب العالمين .
اللهم أغثهم . اللهم أغثهم . اللهم اسقنا وأسقهم غيثًا هنيئًا مريئًا طبقًا مجللًا سحًا عامًا نافعًا غير ضار عاجلًا غير آجل . اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد . اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق . اللهم اسق عبادك وبلادك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت . اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا ومتاعًا إلى حين . اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك .
{فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس: 85]. {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }[البقرة: 286]. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى جميع النبيين والمرسلين والمقربين من أهل السموات والأرضين .
([1]) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، رقم (3540) .
([2]) رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2586) .
المرفق | الحجم |
---|---|
2خطبة الاستسقاء.doc | 78.5 كيلوبايت |