فضل الجمعة والعناية بخطبتها

 

الحمد لله ذي السلطان العظيم، والمن الجسيم، والعطاء العميم، فضل يوم الجمعة على سائر الأيام، وخص به أمة محمد خير الأنام، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المصطفى المختار . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه البررة الأخيار .

أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن الله قد اختص بعض مخلوقاته بتشريف وتفضيل وتكريم، وميز بعض الأيام على بعض، وجعلها موسمًا لإحسانه وإكرامه، يفيض عليهم فيها من جوده وإنعامه .

وإن يومكم هذا يوم الجمعة، يوم مبارك، من أفضل الأيام، قد خصه الله سبحانه بخصائص وميزه بمزايا، ليست لغيره من الأيام، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: « خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم u وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة » ([1]). وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: « من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا» رواه مسلم([2]).

وعن سلمان الفارسي t قال: قال رسول الله r: « لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى » رواه البخاري([3]).

وعن أبي هريرة  t قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر » الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما([4]).

وعن أبي هريرة رضي عنه أن رسول الله r ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه » وأشار بيده يقللها([5]). واختلف في هذه الساعة متى هي يوم الجمعة، فرجح أكثر أهل العلم أنها آخر ساعة بعد صلاة العصر وقبل غروب الشمس .

ولقد حذر r غاية التحذير من التهاون أو التكاسل عن أداء هذه الفريضة العظيمة كما في حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله r يقول على أعواد منبره: « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين » ([6]).

فاحذروا عباد الله عن التخلف عن صلاة الجمعة، وبادروا رحمكم الله إلى العمل بتوجيهاته وما ورد r في آداب هذه الفريضة العظيمة من فرائض الدين، والشعيرة الظاهرة من شعائر الإسلام .

عباد الله: إن مما ورد الحث عليه في هذا اليوم الاغتسال والتبكير إلى المسجد لأداء الصلاة، والتنظف، والتطيب، ولبس أحسن الثياب، والتقدم إلى الصلاة بأدب وخشوع وسكينة ووقار، وعلى المسلم أن يحذر من أن يفرق بين اثنين، أو يتخطى رقاب الناس، أو يؤذي أحدًا من المصلين، فقد جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي r يخطب فقال له: «اجلس فقد آذيت وآنيت» ([7]) أي آذيت الناس بتخطي رقابهم، وتأخرت عن سماع الخطبة .

أيها المسلمون: إن من أعظم منافع صلاة الجمعة ما شرع فيها من خطبتين هما شرط لصحتها، وقد وضع الشارع لها أصولًا وضوابط، متى ما التزم بها وعمل بمقتضاها تحققت منها المقاصد الشرعية التي أرادها الشارع من مشروعيتها، وإن الإخلال أو التقصير في شيء من تلك الأصول والضوابط يضعف الهدف من مشروعيتها، ويقلل الفائدة المأمولة منها .

وقد وضع الإسلام الحماية والحصانة لخطبة الجمعة حيث أوجب النبي الكريم الإنصات والإصغاء أثناء إلقائها، ونهى عن الانشغال عنها أو التشويش على المستمعين لها، وقد رتب الشارع على عدم رعاية هذه الحصانة ذهاب فضيلة الجمعة وثوابها عمن فعل ذلك عقوبة له، وزجرًا . وكان من هديه r في صلاة الجمعة أنه يأمر الناس بالدنو منه، ويأمرهم بالإنصات وكان يقول عليه الصلاة والسلام: « من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليس له جمعة» رواه الإمام أحمد([8]).

ولقد كان هديه عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة الاختصار، وعدم الإطالة، متخيرًا من الألفاظ أجمعها، ومن العبارات أوضحها، وأفصحها، وقد كانت خطبه r كلمات يسيرات كما في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن جابر بن سمرة t عن النبي r « أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، وإنما هن كلمات يسيرات » ([9])، وقد أكد عليه الصلاة والسلام هذا الفعل بالأمر بالاختصار في الخطبة، وعدم الإطالة فيها، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عمار بن ياسر t قال: سمعت رسول الله r يقول: « إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه» أي علامة على تفقهه في الدين، وجاء في بعض الروايات قوله عليه الصلاة والسلام: «فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا»([10]) وزاد الطبراني وغيره، وأنه سيأتي بعدكم قوم يطيلون الخطب ويقصرون الصلاة .

عباد الله: إن موضوع خطبة الجمعة ينبغي أن يكون في تقرير أصول الإيمان بالله تعالى، وتوحيده، وتعظيمه في النفوس، وتذكير الناس بالمبدأ والمعاد، والجنة والنار، وبيان ما أعد الله تعالى للمتقين من النعيم المقيم، وما توعد به العصاة والكافرين من العذاب الأليم، وشرح محاسن الإسلام، وبيان مزاياه، وإيضاح مقاصد الشرع وحكمه، وحث الناس على الالتزام بالأوامر والواجبات، واجتناب النواهي والمحرمات، وترغيبهم في فضائل الأعمال التي حث عليها الشرع وندب إلى فعلها.

كما ينبغي أن تهتم الخطبة بقضايا المجتمع على اختلاف أنواعها، وبيان موقف الإسلام منها، على أن يكون كل ذلك مدعمًا بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، وأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن سار على نهجهم من أئمة الإسلام، وعلماء المسلمين، مبتعدًا عن الخلافات المذهبية، والآراء الشخصية، والاجتهادات الفردية، وعن الخوض في القضايا الخاصة، أو المنكرات الخفية، أو الاعتماد على ما تنشره بعض المصادر غير الموثوقة من الأحداث والأخبار، أو التحدث عن أمور وأحداث لا تهم المخاطبين، بل قد لا يعلم أكثرهم شيئًا عن حدوثها، لكونها حدثت في غير مجتمعهم، ولا يعود الحديث عنها بالنفع لهم .

إن بعض الخطباء قصروا في الاتجاه بمواضيع الخطب عن هدي الإسلام الذي شرعه، والمنهج الذي رسمه، فحصل بسبب ذلك ضعف تأثير خطب الجمعة على السامعين، وأصبح حضور البعض للخطبة وسماعهم لها إنما هو من قبيل العادات، التي نشأوا عليها، لا من قبيل العبادات التي يجب الاعتناء بها والحرص عليها .

فاحرصوا معشر الخطباء على الاقتداء بهدي النبي r في خطبه وتوجيهاته وأوامره، فإنه لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[الجمعة:9-10].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

 

([1])    رواه مسلم في كتاب الجمعة، رقم (854) .

([2])    رواه مسلم في كتاب الجمعة، رقم (857) .

([3])    رواه البخاري في كتاب الجمعة، رقم (883) .

([4])    رواه البخاري في كتاب الجمعة، رقم (881)، ومسلم أيضًا في كتاب الجمعة، رقم (850) .

([5])    رواه البخاري في كتاب الجمعة، رقم (935) .

([6])    رواه مسلم في كتاب الجمعة، رقم (865) .

([7])    رواه أحمد في مسنده، 4/188، 190 .

([8])    رواه أحمد في مسنده، 1/230 .

([9])    رواه أبو داود في كتاب الصلاة، رقم (1107) .

([10]) رواه مسلم في كتاب الجمعة، رقم (869) .

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 4 - فضل الجمعة والعناية بخطبتها.doc80 كيلوبايت
 

الحمد لله ذي السلطان العظيم، والمن الجسيم، والعطاء العميم، فضل يوم الجمعة على سائر الأيام، وخص به أمة محمد خير الأنام، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المصطفى المختار ." data-share-imageurl="">