(بعد انتهاء مناسك الحج)
الحمد لله على نعمه الباطنة والظاهرة، أحمده سبحانه على آلائه المتكاثرة، وأشكره على مننه المتوافرة،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنعم المتفضل، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، ذو الخلق العظيم الأكمل . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على آلائه، فكم أنعم عليكم وأعطى، وكم حباكم وأقنى . إن نعم الله على عباده تتوافد في البكور والرواح، وفي المساء والصباح، بل في كل لحظة من لحظاتنا، وفي كل نفس من أنفاسنا، أليس هو الله الخلاق العليم؟! أليس هو الرزاق الكريم ؟! أليس هو أرحم الراحمين{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
ألا فاشكروا الله على نعمه الظاهرة والباطنة، واعبدوه حق عبادته، لأنه خلقكم من أجلها . يقول سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات:56].
اشكروه على ما من به عليكم من نعمة الإسلام التي لا يعدلها شيء من النعم، وعلى ما من به عليكم من إتمام مناسك الحج، فاشكروه على هذه النعم العظيمة، وهذه المنن الجسيمة .
وإن الشكر يا عباد الله لا يكون باللسان فقط، بل هو شكر بالقلب وباللسان وبالأعمال .
فالشكر بالقلب: الاعتراف لله بالنعم حقيقة، وأنها محض فضله سبحانه وإحسانه، وأن العبد لا حول له ولا قوة إلا بتوفيق الله، وإعانته وهدايته .
والشكر باللسان: كثرة حمده وشكره وذكره، وطلب الإعانة منه على ذلك .
والشكر بالأعمال: امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والعمل بما يرضيه، وعدم صرف أي شيء من أنواع العبادة لغيره، فمن صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر بنعمة الله، وأشرك بالله في ألوهيته .
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال التي شرعها الله لنا في القرآن الكريم، أو على لسان نبيه محمد r ،كالدعاء، والنذر، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، فلا يجوز أن نلتفت بقلوبنا إلى غير الله، أو نعتمد على أحد سواه في طلب شيء من الحاجات، أو طلب العون أو المدد، فإن هذا شيء لا يقدر عليه إلا الله، فلا يجوز أن يطلب إلا منه، لأن الله يقول: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ }[يونس:106] فسمى من دعا أحدًا مع الله ظالمًا، والشرك من أعظم أنواع الظلم، والله سبحانه أخبر أن أضل الناس من دعا أحدًا غير الله، وهو لا يستجيب له إلى يوم القيامة، يقول سبحانه:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }الأحقاف:5-6].
يقول ابن جرير رحمه الله على هذه الآية:
« يتبرأ أولئك منهم لأنهم يقولون يوم القيامة: ما أمرناهم بعبادتنا، ولا شعرنا بعبادتهم إيانا، تبرأنا إليك منهم يا ربنا ».
وتأملوا قوله سبحانه:{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }[فاطر:13-14] .
فاعرفوا عباد الله حقيقة دينكم، وأخلصوا العبادة لبارئكم، واقتدوا بنبيكم، وبسلفكم الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، تنالوا الأجر من الله وتأمنوا .
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
المرفق | الحجم |
---|---|
10الاستقامة على الطاعة.doc | 70.5 كيلوبايت |