الاستعداد ليوم التلاق

 

الحمد لله ذي العز والسلطان، له الخلق والأمر، كل يوم هو في شأن، قدر الآجال والأرزاق، وأمر بالاستعداد ليوم التلاق، أحمده سبحانه على سوابغ الإنعام، وأشكره وشكره واجب على الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه .

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق تقاته، واعلموا أن الدنيا حلوة خضرة، يلهو بها المرء عن مصيره وغايته، قد غره منها نضارة عيشه، وبهجة سروره، وريعان شبابه، وكثرة شهواته، لكنه في غفلة عن فجائعها، وفي سكرة عن زوالها، وفي أمن من تقلب أحوالها . وإن هذه الحال يا عباد الله ليست حال اليقظ الفطن ولا الكيس المؤمن . إن هذه حال الجاهل المغرور، والمغبون في الأمور .

أما يعلم الكل منا أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا له أنفاس معدودة، وأوقات محدودة، عند انقضائها تلف أعماله، ويطوى سجله وكتابه، ويحال بينه وبين أحبابه، مفارقًا هذه الدار، ومنقولًا إلى دار القرار، فإما إلى جنة ذات ظلال وأنهار، و إما إلى دار عذاب وبوار . إما إلى دار أنس وبهجة، وإما إلى دار شقاء ووحشة .

أما يتذكر المرء حينما ينزع من بين أهله وأولاده، وأقربائه وأحبابه، وكنوزه وأمواله، وخدمه وحشمه، وأنسه، ونعيمه، وقصوره ومجالسه، وخله ومؤانسه .

أما يتذكر حينما يوضع في باطن الأرض وحيدًا، فردًا، غريبًا، مستوحشًا، في صحراء مقفرة، لا أنيس، ولا جليس، يضعه فيها أقرباؤه، وأبناؤه، وأحفاده، وأصهاره، وأصدقاؤه، يترك فيها وحده، فلو رأيته بعد ثلاث لرأيت هولًا ومنكرًا، وأمرًا مزعجًا، قد اختلط الديدان بلحمه، والبلى بجسمه، فهل ترى له منجيًا من بأس الله ؟! وهل هناك مؤنس له في غربته، أو منفسًا له في كربته ؟! اللهم لا شيء إلا عمل صالح قدمه، قاصدًا به مرضاة الواحد الغفار، فهو أنيسه في قبره، وجليسه فيه، وعند ذلك يحصد ما زرع في هذه الحياة ، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

فإن زرع البر والإحسان، وتجنب الآثام والعصيان، وجدهما أمامه، وفاز بدار الإقامة، وإن عمل السوء، والفحشاء، والطغيان، والاعتداء، وجدها مروعًا مستوحشًا، وإن زرع الذنوب والآثام، أثمرت الشوك، والضريع، والزقوم، والمهل{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } [الدخان:43-46] .

وإن زرع عملًا صالحًا من أداء الواجبات وترك المنهيات، واستعمال الباقيات الصالحات، فله النعيم المقيم، والأنس والسرور، والكرامة والحبور .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ }[الطور:17-20] .

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الملك الديان، الباقي على الدوام، كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام . أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الناصح الأمين، الرؤوف بأمته الرحيم، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد: فقد روي عن الإمام علي t أنه قال: خطب النبي r يومًا فقال: « يا أيها الناس كأن الموت على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون، قد نسينا كل موعظة، وأمنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، واستقامت طريقته، طوبى لمن تواضع لله من غير منقصة، وأنفق مالًا جمعه في غير معصية، وخالط أهل الفقه والحكمة، ورحم أهل الذلة والمسكنة، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة، ولم يعدل عنها إلى البدعة .

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 18الاستعداد ليوم التلاق.doc70.5 كيلوبايت
 

الحمد لله ذي العز والسلطان، له الخلق والأمر، كل يوم هو في شأن، قدر الآجال والأرزاق، وأمر بالاستعداد ليوم التلاق، أحمده سبحانه على سوابغ الإنعام، وأشكره وشكره واجب على الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه ." data-share-imageurl="">