التذكر لنعمة الله والقيام بشكرها

الحمد لله المنعم المتفضل، أغنى وأقنى، وأعطى فأجزل. أحمده سبحانه على نعمائه، وأشكره على ترادف آلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دائم الفضل والإحسان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيد الشاكرين، ورسول رب العالمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله أصحابه.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، وراقبوه، واشكروا له ولا تكفروه، فإن نعمه جل وعلا تتوافد كل حين، وفضله يتزايد علينا ممسين ومصبحين، واحذروا معصيته سبحانه، فإن المعاصي كفران للنعمة، ومجلبة للنقمة، إنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، وإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل عبادته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته؛ لأن ما عند الله لا ينال إلاّ بالطاعة، وقد جعل الله لكل شيء سببا وآفة: سببا يجلبه، وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفاتها المانعة منها معصيته، فإذا أراد سبحانه حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى يعصيه بها، فما زالت نعمة ولا حلت نقمة إلا بذنب، كما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.

وقد قال الله U:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد:11]. فأخبر الله أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد، حتى يكون هو الذي يغير بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيّر غيّر الله عليه، جزاءً وفاقا: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. فإن غير المعصية بالطاعة، غير الله عليه العقوبة بالعافية، والذل بالعز.

وفي بعض الآثار الإلهية عن الرب - تبارك وتعالى - أنه قال: « وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره، ولا يكون عبد من عبادي على ما أكره فينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب ». وقد قال U:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7].

فشكر النعم أمن من زوالها، وسبب لازديادها، كما أن الشكر دليل على تزكية النفس، وسلامة الفطرة، وصحة العقل؛ لأن شكر المنعم هو جزاؤه الطبيعي في الفطر السليمة التي تشكر الله على نعمه، فتتصرف بهذه النعم على حسب مراضيه، وتقيدها بصرفها في حدود ما أذن لها فيه، بلا بطر أو أشر، وبدون استعلاء أو تكبر على الخلق، أو صرفها في الشر، والفساد، ولا تكون النعم لديه سلما لنيل الشهوات المحرمة، أو الإسراف وتجاوز الحد في المباحات، فالشكر لنعم الله صرفها في طاعته، وفي الأشياء المباحة التي أباحها الله لعباده المؤمنين، من غير سرف وخيلاء، ومن غير صرف لها فيما يُسخط الله، ومن غير تقتير ولا تبذير، كما قال سبحانه : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [الفرقان: 67].    

فتذكروا - رحمكم الله - نعم الله، وأكثروا من ذكره، واشكروه على نعمه التي لا تحصى. فكم لله من نعم على عباده يتقلبون بها ليلهم ونهارهم، وهم في غفلة عنها لم يقوموا بشكرها، ولم يلهجوا بالثناء على مسديها.

أيها المسلم، من أحق بالشكر ومن أولى بجميل الذكر؟ إنه الخالق الرازق، إنه المنعم المتفضل، الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، خلقه في أحسن تقويم، وفضله على العالمين، ميزه بميزة العقل والتفكير، وخصه بالفهم وحسن التدبير، أسبغ عليكم النعم الظاهرة والباطنة، أنشأكم من العدم، ووالى عليكم أصناف النعم، أنعم عليكم بنعمة العقل والسمع والبصر، وخلق كل شيء من أجلكم، أنبت لكم الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات، وقال سبحانه مذكرًا لكم بنعمه:{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

أيها المؤمن، من الذي ينقذك إذا عظم البلاء؟ ويشفيك إذا عجز الأطباء؟ ويدلك إذا تحير الأدلاء؟ أليس هو الله اللطيف الخبير؟! من الذي أعطاك ما تمناه؟ وأمنك مما تحذره وتخشاه؟ أليس هو إلهك الحق المبين؟! أيها المسلم، إن حقيقة الشكر هو امتثال الأوامر الإلهية، والوصايا القرآنية، والتعليمات النبوية، إن أعظم أنواع الشكر هو توحيد الله وإفراده بالعبادة وحده، وإخلاص العمل له الذي من أجله خلقك كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56].

إن شكر النعم أن تصرفها في طاعة الله، أعطاك القوة في بدنك لتقيم الصلاة، وتشهد الجُمَع والجماعات، وتؤدي الحقوق والواجبات، أعطاك المال لتشكره عليه، ومن شُكره صرفه فيما يعود عليك نفعه، وعلى من تحت يدك، وتعين فيه المعوزين، وتطعم المسكين، تكبح جماح نفسك عن بذله في الشهوات المحرمة، والمعاملات الربوية، وتبتعد عن الغش والخداع والأيمان الكاذبة.

 أيها المسلم، إن أحق الناس بالشكر بعد أداء حق الله والداك، اللذان ربياك في حال الصغر، وتعبا فيما يريحك، وصبرا على أذيتك، وتحملا المشاق في سبيل راحتك، وطمأنينتك، فالبر بهما شكر على سالف فضلهما، ووفاء بجميل صنعهما، كما أنه طاعة لله وامتثال لأمره، حيث يقول U:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7].

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدْي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على إحسانه، اشكروه بألسنتكم وقلوبكم وأعمالكم، فإن شكر الله قيد للنعم الموجودة، وسبب لحصول النعم المفقودة، واسألوه سبحانه الإعانة على شكره وذكره فقد قال r لمعاذ بن جبل t: « يا معاذ، لا تدعنَّ دبرَ كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ».

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين.

 

 

 

المرفقالحجم
Microsoft Office document icon 13التذكر لنعمة الله والقيام بشكرها.doc74 كيلوبايت
الحمد لله المنعم المتفضل، أغنى وأقنى، وأعطى فأجزل. أحمده سبحانه على نعمائه، وأشكره على ترادف آلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دائم الفضل والإحسان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيد الشاكرين، ورسول رب العالمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله أصحابه." data-share-imageurl="">