الحمد لله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [غافر: 3].
أحمده سبحانه، وأشكره على نواله الكثير، وأستغفره، وأتوب إليه من الخطأ والتقصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المطلع على مكنون الضمير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الهادي البشير، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أهل الجد والتشمير.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله في سركم وجهركم، واشكروه على ما من به عليكم من صيام، وقيام هذا الشهر الكريم، الذي فضله وشرفه، وجعل عشره الأخيرة أفضله، وخصها بليلة هي خير من ألف شهر، جعل العبادة فيها خيرا من العبادة في ألف شهر خالية منها، إنها ليلة شريفة عظمها وفضلها سبحانه، وأنزل فيها القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فالسعيد من اغتنم هذه الأيام والليالي، وعرف قدرها، وقام بحقها، وصان صيامه عن اللغو والرفث، واستغل أوقاته بالإحسان والبر والصدقة، وتلاوة القرآن والاستغفار والذكر، وقام لياليها بقلب خاشع منيب، وأخلص عمله لربه الحسيب الرقيب، فإن إخلاص العمل هو أساس القبول، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (( قال الله U : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه )).
فاحرصوا -رحمكم الله- على الإخلاص في العمل، وحسن المتابعة للرسول الكريم r والاهتداء بهديه، والسير على نهجه، وقد كان من هديه r زيادة العمل في مثل هذه الليالي المباركة، فقد كان يخلط العشرين من هذا الشهر بصلاة ونوم، فإذا دخل العشر شد مئزره، وأيقظ أهله، وأحيا ليله، ولازم معتكفه؛ طلبا لليلة القدر، فإنها الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، ويقدر ما يكون في تلك السنة بإذن العزيز العليم، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن فرط فيها، وحرم خيرها، فقد حرم الخير الكثير.
فتعرضوا عباد الله لطلب المغفرة من ربكم، فمتى يغفر لمن لم يغفر له في هذا الشهر؟!لاسيما في هذه العشر، فأكثروا فيها عباد الله من الإحسان، والتوبة والاستغفار، وكثرة التلاوة، والذكر، والصلاة، والطواف، واجتهدوا بالدعاء، والالتجاء إلى الرحيم الغفار بسؤال الجنة، والاستعاذة من النار، خصوصا في مواطن الإجابة، كحالة السجود، ووقت السحر، وعند الإفطار، واعلموا أن ليلة القدر ترجى في ليالي الأوتار من هذه العشر، وأرجاها ليلة سبع وعشرين، وقد قالت عائشة رضي الله عنها للرسول r: « أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني » .
فأكثروا من هذا الدعاء النبوي، لعل الله أن يعفو عنكم، ويعتقكم من النار وأكثروا من العمل الصالح، والبر والصلة، والعطف على الفقراء، والبائسين:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].
عباد الله: إن شهركم قد مضى أكثره، ولم يبق منه إلا القليل، فحاسبوا أنفسكم، واستدركوا ما فاتكم، فمن أحسن فعليه بالاستقامة والإتمام، ومن أساء فعليه بالتوبة وحسن الختام، فإن الأعمال بالخواتيم.
أيها المسلم، هاهو رمضان قد أوشك على الرحيل، فهل اتقيت الله فيه؟وقمت بحقوقه؟هل استنار قلبك في رمضان بالصيام والقيام؟هل امتلأ قلبك بالرحمة والإحسان فعطفت على الأرامل والأيتام؟هل عفوت عمن ظلمك أو صفحت عمن أساء إليك؟هل حفظت لسانك عن السب، والشتم والكذب؟ هل طهرت نفسك عن الغل والحسد والغيبة والنميمة؟ هل ابتعدت عن اللهو والغناء؟ وتلذذت بتلاوة القرآن الكريم وسماعه؟ هل جانبت بيوت الملاهي وأماكن الفسوق؟ولازمت المساجد وأطلت الركوع والسجود؟
فاتقوا الله -عباد الله- واغتنموا بقية أيام شهركم ولياليه، فلم يبق منه إلا القليل:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133، 134].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أول الخطبة الثانية
الحمد لله على جوده وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وآله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وزكوا أنفسكم بالإقبال على الله في هذه الليالي المباركات، فقد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، واستدركوا بقية شهركم بكثرة الطاعات، وتلاوة كتابه، والذكر، والتسبيح والصدقة والإحسان، والتوبة، والاستغفار، فالعاقل الرشيد من انتهز فرص الطاعات، وأوقات المواسم والخيرات، وأكثروا-رحمكم الله- من الحسنات، فإنها تكفر السيئات يقول الله سبحانه: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].
وتذكروا سرعة انقضاء الأعمار، والانتقال عن هذه الدار، أين بعض من كان معكم في مثل هذه الليالي والأيام؟تركوا المنازل والحبور، ونزلوا في الأجداث والقبور، فالسعيد من وعظ بغيره، واتعظ، وعقل عن الله أمره فخافه واتقاه، والشقي من فرط في ماضيه، ولم يتدارك بقية عمره بالإنابة إلى الله، والعمل بما يرضيه.
المرفق | الحجم |
---|---|
8فضيلة العشر الأواخر من رمضان.doc | 73 كيلوبايت |