فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط
إمام وخطيب المسجد الحرام .
« إذا تنوعت أكدار الحياة، وتعددت أسبابها؛ فإن فقد أهلِ العلمِ، وغياب ذوي الفضل والمكانة، لهو من أشد هذه الأكدار، وأعظمها وقعًا، وأبلغها أثرًا .
وإن من أشد الأنباء تكديرًا، وأعظمها إيلامًا وتأثيرًا : نبأ وفاة سماحة الوالد العلامة الجليل المحدث الفقيه الشيخ : محمد بن عبد الله السبيل، إمامِ وخطيب ِ المسجد الحرامِ، عضوِ هيئة كبارِ العلماء، الرئيسِ العام لشؤون المسجد الحرامِ والمسجد النبوي-سابقا- رحمه الله رحمة واسعة. فلقد كان لسماحته الأيادي البيضاء التي لا تنسى، والفضائل الجمة، والمناقب العظيمة، التي يذكرها له كل من ائتَم به في صلاة، أو استمع إليه في خطبة، أو جلس إليه في درسٍ من دروسِهِ في المسجدِ الحرامِ طوال مدة جاوزت الأربعين عامًا من عمر الزمنِ، كان فيها –رحمه الله- الإمام القدوة، والخطيب الـمؤثر، والداعية الصادق، والعالم المتمكن، والناصح الـمخلص، والإداري الناجح. أحسبه كذلك، ولا أزكيه على الله. كان رحمه الله، تقبل عليه، فيلقاك هاشا باشا بأحسنِ لقاء، وأجملِ عبارة. وتصغي إليه، فتجد في كلامه نصحًا رفيقًا، وإرشادًا وتوجيهًا حكيمًا مسددًا مستلهمًا من هديِ خيرِ الورى –صلوات اللهِ وسلامه عليه – القائلِ : «عَلَيكُمْ بِالرِّفْقِ في الأمْرِ كُلِّهِ؛ فَإِنَّ الرِّفْقَ مَا كانَ في أَمْرٍ إلا زَانَهُ، ولا نُزِعَ منْ شيءٍ إلا شَانَهُ». ومثل هذا النصحِ الـمسدد الكريمِ، لا ريب في طيبِ وحسنِ موقعه من النفسِ، ولا ريب –أيضًا- في دوامِ وبقاء أثرِه كذلك. وكان -رحمه الله- متصفًا بأحسنِ الصفات وأجملها: من سلامة الصدر، وحسنِ الخلق، ولين الجانب، وحب الإحسان إلى عباد اللهِ: ببذل المعروف، والسعي إلى الإصلاحِ، والإكرامِ لهم، وكثرة التودد إليهِم. وقد كان والدي- رحمه الله - وهو الذي كان وثيق الصلة به رحمه الله؛ لاشتراكهِما في الخطابة في المسجدِ الحرامِ ردحًا من الزمنِ – كان كثير الثناء عليه، عظيم المحبة له، موصول الدعاء له، رحمهما الله. وأحسب أن سماحته -رحمه الله- ممن جمع الله له هذه الخصال الواردة في الحديث : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
فرحم الله سماحة شيخنا رحمة واسعةً، وغفر له في المهديين، ورفع درجاته في عليين، وألحَقه بصالح سلف المؤمنين، آمين، آمين».
المصدر : جريدة المدينة: 6/2/1434هـ 19/12/2012م، العدد : 18137 .