رحم الله الشيخ محمد بن عبدالله السبيل
معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي .
« توفي الشيخ الجليل محمد بن عبدالله بن السبيِّل رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي السابق وإمام المسجد الحرام رحمه الله.
وقد نشرت الصحف نعيه وكلمات في بيان علمه وعمله وحسن خلقه، وهو جدير منها بأكثر من ذلك.
لقد عرفت الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد السبيل طالب علم، كان يحضر بصحبة شقيقه الشيخ عبدالعزيز في البكيرية وهو أكبر منه سنًا بكثير، فيسلم على المشايخ والعلماء في بريدة، وبخاصة شيخنا الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله وجزاه الله عنا خيرًا.
ثم عرفته معرفة أوثق وأكثر استمرارًا عندما فتح المعهد العلمي في بريدة عام 1373هـ، وعينت مديرًا له، والتحق الشيخ محمد بالمعهد مدرسًا، واستمر فيه طيلة بقائي مديرًا له لمدة سبع سنوات، إلى أن نقلت إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، منذ تأسيسها في عام 1380هـ، وكانت في ذلك الوقت مجرد فكرة لم تخرج إلى حيّز التنفيذ، إلا بعد شهر وبقي الشيخ محمد السبيل مدرسًا في المعهد العلمي حتى عام 1385هـ حين تم نقله إلى مكة المكرمة إمامًا للمسجد الحرام، الذي كان يقوم على أمره آنذاك شيخنا الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله.
وفي عام 1390هـ عين نائبًا لرئيس الإشراف الديني على المسجد الحرام، ثم نقل عملي آنذاك من وظيفة الأمين العام للدعوة الإسلامية في الرياض إلى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.
وبذلك أصبحنا نسكن في بلد واحد، هو مكة المكرمة، وبذلك استمرت الصلة بيننا.
وقد عين الشيخ محمد السبيل عام 1411هـ في وظيفة الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي برتبة وزير، وفي عام 1421هـ انتهى عمله بناء على طلبه.
لقد كان الشيخ محمد السبيل مدرسًا ناجحًا بالنسبة إلى عمله مع طلابه وزملائه، وكان لي أخًا وزميلًا وصديقًا، لا أذكر أنه تسبب في مشكلة واحدة لإدارة المعهد العلمي أو طلابه، بل على العكس من ذلك كان يسعى إلى حل أي إشكال يحدث، وكان هو المدرس الذي جمع بين العلم والعمل، البشاشة في الوجه، وحسن البهجة.
وكان على ذلك محبًا للبحث العلمي، حريصًا على جمع الفوائد والكتب.
أما في حب النادرة والغوص على النكتة الرصينة، فإنه كان المثال الجيد على ذلك.
إذ كان يحفظ شعر كثيرًا من شعر المتقدمين، ويتذاكر فيه، ويستشهد به مع زملائه، وله إلى جانب ذلك شعر جيد نقلت منه ما يكفي في معجم أسر البكيرية الذي لا يزال مخطوطًا.
ومن أحاديثه الطريفة أنه قال لي: سوف أخبرك بشيء، لقد قررت أن أتزوج، فقلت له إن عندك خيرًا، فقال إن عندي خيرًا كثيرًا، ولكن الزيادة من الخير خير.
فقلت له: إني سوف أسألك بعد زواجك هذا عن حالها معك، قال: ألا تسألني عن حالي معها؟ فقلت: لا.
ففهم مقصودي قال ذلك بعبارة طريفة لا أذكرها بنصها، وكان يتكلم معي بصفتي أخًا وصديقًا.
كان الشيخ محمد السبيل كثير الاستحضار للنصوص، وكان الذي يجلس معه لا يعدم من فائدة علمية يكتسبها، أو نكتة بريئة يضحك لها، أو معلومة قديمة يستفيدها.
وكان يهتم بمعرفة كتب العلماء القدماء، ويحرص على الاطلاع على ما لم يكن قد اطلع عليه، وبذلك صار مؤلفًا، وله مؤلفات مطبوعة هي:
1- من منبر المسجد الحرام (ديوان خطب 4 أجزاء).
2- الإيضاحات الجلية في الكشف عن حال القاديانية.
3- حد السرقة في الشريعة الإسلامية.
4-الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية.
5- حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية.
6- حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد.
7- الخط المشير إلى الحجر الأسود في صحن المطاف ومدى مشروعيته.
8- رعاية الحرمين الشريفين منذ صدر الإسلام وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين.
9- رفيق الطريق في الحج والعمرة.
10- دعوة المصطفى e ودلائل نبوته ووجوب محبته ونصرته.
11- من مشكاة النبوة.
12- نبذة وجيزة عن عمارة الحرمين الشريفين.
13- ديوان شعر.
14-من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
15- المختار من الأدعية والأذكار طبع في 113 صفحة.
16- الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية طبع في 86 صفحة.
لقد رزق الشيخ محمد السبيل بأبناء نجباء، عددهم خمسة عشر ابنًا وبنتًا من ثلاث زوجات، منهم الدكتور عمر بن محمد السبيل، وأعتقد أن هناك إجماعًا على حسن خلقه وغزارة علمه، وتوفي في حادث سيارة في محرم 1423هـ فحزن عليه الناس، وكانت فاجعة لأهله ولزملائه من طلبه العلم، بل ولعامة الناس لأنه كان يؤم الناس في المسجد الحرام في بعض الصلوات، نعرفه مثلما عرفه طلبة العلم، وبخاصة الغرباء منهم بسرعة العمل على تلبية ما يحتاجون إليه من مال أو حاجة.
ومن أبنائه رحمه الله الأستاذ عبدالله كانت آخر وظيفة شغلها وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية تقاعد وهو عليها.
والدكتور عبدالعزيز بن محمد السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام سابقًا والمستشار في وزارة التربية.
وبقية أبنائه من النجباء البارزين، قال الله تعالى )وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ( بارك الله فيهم وفي عقبهم.
ويبقى أن نذكر الشيخ محمد بن عبدالله السبيل هو من (الغيهب) أهل شقراء قدم جده عبدالعزيز من شقراء إلى عنيزة، وصار من أهلها، وانتقل والد الشيخ محمد السبيل إلى البكيرية، فاتخذ منها وطنًا، وولد له أبناء ومنهم الشيخ (محمد بن عبدالله السبيل) في عام 1345هـ فعمر الشيخ محمد السبيل عندما توفي هو 89 سنة.
وقال رحمه الله:
تقوى الإله سفينة الأبـــــــرار وهي النهى ومطمح الأنـــــوار
وهي الصراط لطالب سبل العلى وهي المنار لمهتد بمنـــــــــــار
وهي السعادة إن حللت رحابها وهي الفخار تفوق كل فخــــار
لله در أفاضل نالوا بهــــــــــا قرب الإله بجــــــوده المـدرار
ما نال من نال المكارم والثــــنا أو حل فوق منازل الأقــــــمار
إلا هداة للتقى قد حققـــــــوا وتسابقوا في خدمة الغفـــــــار
وتميزوا بصفاتــــهم بين الورى وترفعوا عن خُلة الأشــــــرار
وترنموا بالوحي في أسـحارهم وتفهموا ما فيه من أســــــرار
حذروا الفواحش والمآثم والخنا وتدرعوا بالصبر عن أخــــطار
قد محصوا درن الذنوب بتوبـــة ومدامع هطالة وغــــــــــزار
يبكون خوفًا من أليم عقابـــــه إن ذكروا أو خوفوا من نــــار
يمشون هونًا صائنين نفوســهم عن منكر أو منطق المهــــــذار
بالرفق يدعون العباد لربـــــهم لا فحش عندهم لدى الإنــكار
حفظوا نفوسًا عن معاتبة الهـوى أعظم به من فاتن غـــــــــرار
يرجون فضلًا من كريم محســن ألطافه تترى مدى الأعصــــار
قد أملوا غرف الجنان وحورهـا ونعيمها والسلسبيل الجـــاري
هذا النعيم من الإله وفوقـــــه نظر العباد إليه بالأبصــــــــار
رحم الله الشيخ محمد بن عبدالله السبيل، وأجزى له المثوبة على ما قدم من عمل صالح، إنه سميع قريب».
المصدر : جريدة الجزيرة: 12/2/1434هـ 25/12/2012م، العدد:14698.