في وداع عاشق الحرم
أ.د. عبدالله محمد حريري عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى .
« نشأنا وتعلقنا بحب الحرمين الشريفين؛ لتربية والدينا رحمهم الله لنا على ذلك، فجزاهم الله خيرًا.
فكان الحرم المكي يؤمه علماء أفاضل رحمهم الله جميعا، ومن أولئك صاحب السماحة والفضيلة الشيخ محمد بن عبد الله السبيل رحمه الله، حيث كان إماما، عالما منذ الثمانينات الهجرية، يؤم المصلين صلاتي الفجر، والعشاء لأكثر من أربعة عقود، بعد ذلك أصبح إماما لصلاة العشاء حتى كبر سنه.
فكانت صلاته وقراءته ليس فيها تكلف، يراعي ظروف المصلين، وهذا الأمر اعتاد عليه طوال العام.
أما إمامته في شهر رمضان المبارك خاصة في صلاة القيام، فكان يؤم المصلين لصلاة العشاء مع إمامته لخمس تكبيرات لصلاة القيام، ويستمر ذلك لثلثي رمضان، أما الثلث الأخير فكان بعد انتهاء الشيخ عبد الله الخليفي رحمه الله من إمامته للخمس التكبيرات الثانية، يعود الشيخ السبيل للإمامة لصلاة الوتر، فكان دعاؤه جامعا شاملا.
هذا الإمام العالم، الفاضل، الورع، التقي، الذي تربى، وربى أبنائه، ومن حوله على التواضع، وحب الخير، وإسداء المعروف، وخدمة الناس، وعدم التواني في ذلك، لايراوغ ولا يسوف، ولا يماطل، ولا يتذرع بحجج عن خدمة الناس، إن استطاع ذلك.
هذا الإمام العالم كان محبا للعلماء، ويقدرهم، فعند وفاة فضيلة الشيخ عبدالرحمن الشعلان، جاء لصلاة الفجر، وتقدم للإمامة لصلاة الميت على فضيلته، وسار مع جموع المشيعين.
كما أمَّ المصلين لصلاة الميت على فضيلة السيد محمد علوي المالكي، وشيع جنازة فضيلة الشيخ طه البركاتي إلى مثواه الأخير.
إمام عالم أحب مكة وأهلها حبًا جمًا، فأحبوه، يواسي فقراءهم، ويلبي الدعوات ويحضر أحزان، وأفراح أهل هذه المدينة المباركة.
له المكانة العليا لدى القيادة في إسداء النصح، وتقبلهم منه ذلك، والمقام لا يسمح في سرد تلك المواقف العظيمة.
هذا الإمام العالم منذ ارتبطت به كإمام للمسجد الحرام، وأسندت إليه المناصب التي يراها تكليفا لا تشريفًا، لم تغير في تواضعه أو سلوكه أو معاملته، بل يقبل ما فيه خير قاصدي الحرمين، قبل وبعد وإبان رئاسته لخدمة الحرمين الشريفين.
فأتيته مساء الخامس والعشرين من رمضان لأخبره بأن الليلة القادمة هي ليلة السابع والعشرين، وكان الإجراء المتبع منع النساء من الطواف ماقبل صلاة العشاء وحتى انتهاء صلاة القيام، وكانت الإمامة بالمصلين في صحن المطاف، فأشرت عليه لو كانت الإمامة تكون تحت المكبرية، والسماح للنساء بالطواف وعدم منعهن، وإفساح صحن المطاف للطائفين، فتقبل الأمر برحابة صدر، ووجد أن في ذلك فائدة، وأعطى تعليماته بذلك.
هذا الإمام العالم لا يتناول في خطب الجمع الجامعة الشاملة القصيرة ما يسيء إلى أحد في أي شأن من شؤون العبادات.
إن المواقف لهذا الإمام العالم الجليل كثيرة جدا، والدليل تلك الجموع التي جاءت إلى المسجد الحرام للصلاة عليه، وتشييعه إلى مثواه الأخير، بل قيادة هذه البلاد، وعلماؤها، وأمراؤها كانوا في مقدمة المواسين لأبناء وأسرة الفقيد، فاللهم ارحمه رحمة الأبرار واجعله ووالدينا في أعلى عليين، وبارك في خلفه، وطلابه، ومن أحبوه..والله من وراء القصد،،، » .
المصدر : جريدة الرياض: 12/2/1434هـ 25/12/2012م، العدد : 162559.