مآثر ومناقب الشيخ« السبيل »
الشيخ/ عبد الله بن سعيد السويهري.
« الحمد لله المتفرد بالجلال والبقاء، الذي خلق الخلق وقدر الأقدار وحدد الآجال، وجعل لكل أجل كتاب، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال الله تعالى: ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى. قبل عدة أيام فقدت المملكة العربية السعودية بل العالم الإسلامي بأسره رمزًا وعلمًا من علمائها الأجلاء البارزين، ألا وهو سماحة الوالد الشيخ العلامة / محمد بن عبدالله السبيل - الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الأسبق، وإمام وخطيب المسجد الحرام، وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي. وكان لوفاته وفقده يرحمه الله وقع في نفسي ولدى محبيه . وقد شُرفت بمعرفة سماحته منذ خمس وثلاثين عامًا حينما كنت طالبًا في الجامعة، ثم توطدت علاقتي وصلتي بسماحته عند تعييني موظفًا بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد كان لي الشرف في العمل بالقرب من سماحته، وإن ما أود الإشارة إليه في هذا الصدد هو اعتراف بفضله، وإشادة بأثره، وحفاظًا على حقه، فقد مر بخاطري، وجال بفكري طيف سماحته يرحمه الله، فوددت أن أعبر عن ما يكنه القلب ويحويه الفؤاد ويعتلج في الصدر نحو هذا الرمز الديني الجليل، وقد بدأت الكلمات تتزاحم أمام ناظري كلآليء العقد المنثور، بل قل كنجوم السماء المتلألئة التي تحيط بالبدر في تمامه، فأخذت أعيد الذاكرة إلى الوراء قليلًا؛ لعلي أستذكر بعضًا من مأثر وأعمال هذا العالم الرباني الجليل، حيث شرفه رب العزة والجلال بالإمامة والخطابة والتدريس ببيته الحرام لعدة عقود، وكان لسماحته رؤية ثاقبة، وبصيرة نيرة، وقد نذر حياته للعلم والبذل والعطاء وخدمة الدين والوطن، وكان يدعو الله لولاة أمر هذه البلاد المباركة ويثني على جهودهم وأعمالهم الخيرة، لخدمة الإسلام والمسلمين، وبخاصة ما يتعلق بأمور الحرمين الشريفين وشؤونهما، وكان لدى سماحته ثبات في الحق وجهدًا مشهودًا في الدعوة السلفية الحقة، والعمل على توعية وإرشاد المسلمين لأمور دينهم، والذب عن الإسلام وأهله، وقد حمل سماحته هموم الأمة والدعوة الى الله وشرعه، في كثير من مؤلفاته ورسائله وخطبه المنبرية، وفي رحلاته الدعوية داخل المملكة وخارجها، وشارك في العديد من الملتقيات والمؤتمرات والندوات العلمية التي كانت لها كبير الأثر في نفوس المسلمين عامة، وكان يتصف سماحته بسلامة العقيدة، وحسن السيرة، وصفاء السريرة، ونبل السجايا، ودماثة الخلق، وسعة الصدر، وجمال المنطق، وكريم الخصال، وطيب المعشر، وحسن السمت، لطيف في المعاملة، لين الخطاب، ذو بسمة رائقة تظهر دائما على محياه، وكلمة طيبة عند أي لقاء، وكان عطوفًا كريمًا سخيًا،لا يرد طالب حاجة أو مساعدة وخاصة طلبة العلم والمحتاجين، وهذه حلل منسوجة ارتداها وتوشح بها سماحته طيلة حياته غفر الله له وأسكنه فسيح جناته، وهي بحق صفات المؤمن، فالله عز وجل يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف، وإنه من حسن الطالع أن أكون قريبًا من سماحته لعدة سنوات، فمن قدر له معرفة سماحته فإن أعناقهم تشرئب لقدومه، وتشخص أبصارهم لمحياه، وتصافحه القلوب قبل الأيدي؛ لأنه محبوب في كلامه، وأخذه وعطائه، وفي لقائه ووداعه، ومن كانت هذه بعض صفاته وسجاياه التي جُبل عليها فنرجو أن يكون ممن قال فيه الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام : (إن من أحبكم الي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
أدعو البارئ جل في علاه أن ينال الفقيد هذا الشرف العظيم والمكانة الرفيعة بجوار سيد ولد آدم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم . كما أسأله جل شأنه أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه أعلى الجنان، ومنازل الرضوان، وأن يتقبله في عباده الصالحين، وأن ينزله منازل الأبرار المتقين، وأن يلهم الجميع بفقده الصبر والاحتساب، والحمد لله على قضائه وقدره (إنا لله وإنا إليه راجعون) ».
المصدر : صحيفة مكة 18/2/1434هـ .